رغم كون السياحة ركيزة اقتصادية تنافسية مدرة للعملة الصعبة ونافذة تزخر بالفرص الواعدة، إلا أنها قد تصبح عبئاً إذا أصبحت «مفرطة».

ومؤخراً، تعاني مدن سياحية شهيرة مثل البندقية وأثينا وبرشلونة، خطر السياحة المفرطة مع تدفق ملايين الزوار إليها وتسجيل مستويات أعلى من التي شهدتها عام 2019 قبل جائحة كوفيد-19.

ويهدد الإفراط في السياحة بتعطيل معيشة السكان وزيادة الزحام والتلوث البيئي.

ما هي السياحة المفرطة؟ وكيف تحدث؟

مع الحركة السياحية المنتعشة حالياً والتوقعات المستقبلية المتفائلة، فإن للصورة وجهاً آخر عابساً، إذ بات ملاحظاً أن نمو الحركة السياحية قد تعجز بعض الوجهات على استيعابه ما قد يخلق ازدحاماً أو فقدان السائح والسكان المحليين -على حد سواء- للراحة، وهذا ينتج ما بات يعرف في السنوات الأخيرة بـ "السياحة المفرطة" ويمد يدها لوجهات أكثر.

بشكل رئيسي تحدث عندما يزداد عدد الزوار إلى وجهة ما أو أماكن بعينها داخل هذه الوجهة، ويحدث هذا بشكل سريع وخلال فترة قصيرة من الزمن. كما أنها تنتشر بشكل كبير في وجهات يتشارك فيها الزوار والسكان المحليون نفس المكان.

وكانت منظمة اليونسكو قد حذرت من إدراج البندقية على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، وذلك بسبب تدفق السياح إضافة لتأثيرات الاحترار المناخي، وهو ما يهدد بإحداث تغييرات نهائية لقيمة ممتلكات المدينة.

وكانت اليونسكو أدرجت البندقية عام 1987 على قائمة التراث العالمي باعتبارها تحفة معمارية استثنائية، لكنها حذرت من ضرورة اعتماد إدارة سياحية أكثر استدامة لها.

وتشير بيانات إلى أن نحو 3.2 ملايين سائح باتوا ليلتهم في الوسط التاريخي للمدينة خلال 2022، في رقم لا يشمل آلاف الزوار اليوميين الذين يزورونها نهاراً فقط.

قيود يابانية

من جانبها، فرضت اليابان إجراءات لمواجهة السياحة المفرطة في مواقعها الشهيرة بعدما تجاوز عدد الزوار في مارس/آذار 3 ملايين زائر لأول مرة.

أقرت السلطات اليابانية نظام حجز عبر الإنترنت للمسار الأكثر شعبية بجبل فوجي، في محاولة لتنظيم التوافد الكبير من السياح إلى منطقة البركان النشط.

ويشهد أعلى جبل في اليابان ازدحامًا متزايدًا خلال موسم المشي لمسافات طويلة في الصيف، ما يثير مخاوف بشأن السلامة والأضرار البيئية.

ولتخفيف الازدحام على مسار يوشيدا، وهو الطريق المفضل لمعظم المتنزهين، تسعى منطقة ياماناشي اليابانية إلى تحديد الحد الأقصى للأشخاص المسموح بدخولهم يوميًا بـ 4000 شخص على أن يدفع كل منهم 13 دولارًا.

ولمعالجة مخاوف بعض المتسلقين من إمكان رفضهم بمجرد بلوغ الحد الأقصى اليومي، ستُتاح أيضًا إمكانية الحجز عبر الإنترنت هذا العام لأول مرة.

وقال المسؤول في حكومة منطقة ياماناشي كاتسوهيرو إيواما، إن النظام سيضمن دخول الأشخاص عبر بوابة جديدة "ما يسمح لهم بالتخطيط السابق"، حسب وكالة "فرانس برس".

سيُفتح باب الحجوزات عبر الإنترنت في 20 مايو/أيار الجاري لموسم المشي لمسافات طويلة الممتد من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول.

وسيُترك يوميًا ما لا يقل عن ألف مكان متاح للأشخاص الراغبين في دخول الموقع من دون حجز سابق.

وتغطي الثلوج جبل فوجي معظم أيام السنة لكن في الصيف يتنقل أكثر من 220 ألف زائر على منحدراته الصخرية شديدة الانحدار، وكثير منهم يتسلقون خلال الليل لرؤية شروق الشمس.

كما تفكر مدينة كيوتو اليابانية في إنشاء خطوط خاصة للحافلات السياحية السريعة التي ستنقل الزوار إلى أكثر المواقع شهرة في المدينة من أجل تقليل الاكتظاظ وتحسين كفاءة الحافلات المحلية العادية.

ضريبة الرحلات اليومية لزوار البندقية

وبدورها استجابت مدينة البندقية لتحذيرات اليونسكو من حدوث "أضرار لا يمكن إصلاحها" لمركزها التاريخي، وفرضت رسوم دخول على المتنزهين النهاريين بين الساعة 8.30 صباحًا و4 مساءً في فصلي الربيع والصيف.

وسيتحمل السائحون الذين يقومون برحلات يومية رسومًا قدرها 5 يورو (6 دولارات)، وسيخضعون لنظام التذاكر كجزء من خطط لمعالجة السياحة المفرطة في المدينة الشهيرة التي تغمرها 30 مليون زائر سنويًا.

تأتي الضريبة في أعقاب قرار المدينة الإيطالية بحظر السفن السياحية من المركز عام 2019 بعد حادث اصطدام سفينة سياحية بالرصيف.

ضريبة السياحة البلدية في إسبانيا

وزادت برشلونة ضريبة السياحة البلدية من 5.25 يورو (5.67 دولار) إلى 6.75 يورو (7.29 دولار) في الليلة الواحدة في أبريل/نيسان 2024 للضيوف المقيمين في فندق خمس نجوم بالإضافة إلى تكلفة إقامتهم في الفندق.

وتضاف هذه الرسوم الإضافية إلى ضريبة السياحة الليلية العامة التي تُقدر بـ 3.50 يورو (3.78 دولار) المدفوعة للبلدية.

وخفضت برشلونة الإسبانية في أكتوبر/تشرين الأول عدد السفن السياحية القادرة على الرسو في مينائها المركزي في أي وقت من 10 سفن إلى 7 سفن، وفي الآونة الأخيرة أزالت خط الحافلة رقم 116، وهو أحد الخطوط القليلة التي تتوقف خارج البوابات الرئيسية لمتنزه بارك غويل في محاولة لتقليل الصفوف الطويلة من الزائرين في وقت الذروة.

تقليص زوار أثينا

فيما حدد الأكروبوليس اليوناني الشهير في أثينا أعداد الزائرين بـ20 ألف زائر في سبتمبر/أيلول 2023 لتقليل عدد الزوار إلى النصب التذكاري القديم.

وسيتعين على الزائرين أيضًا حجز فترة زمنية سابقة للزيارة مع تغيير الحدود القصوى من ساعة إلى أخرى بين الساعة 8 صباحًا و8 مساءً.

وقالت وزيرة الثقافة اليونانية، لينا ميندوني: "هذا الإجراء يهدف إلى حماية النصب التذكاري فضلًا على تحسين تجربة الزوار للموقع".

مواجهة نوعية في بلجيكا

بروج، الواقعة في غرب بلجيكا، والمدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو أيضا، يبلغ عدد سكانها 119 ألف نسمة، وتستقطب نحو 8 ملايين زائر كل عام، معظمهم يأتون خلال الصيف ولا تستمر زياراتهم لأكثر من يوم واحد في كثير من الأحيان.

وضمن سبل إيجاد حل للسياحة المفرطة التي تثير استياء سكانها، اعتمدت المدينة الصغيرة في عام 2019 استراتيجية مدتها خمس سنوات لتشجيع السياحة النوعية ودفع زائريها لاستكشاف المنطقة المحيطة.