إذا كنت تبحث عن محادثة محفزة ومثيرة للاهتمام.. فقط اذكر دبي

المغرب 24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

التاريخ: 13 مايو 2024

ft.svg

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر أمر يفرض ضغوطه الشديدة في هذه الوظيفة هو أنك بحاجة إلى إنتاج أفكار مبتكرة ومثيرة كل أسبوع. ينبع بعضها من تفكيرك الخاص. وينشأ بعض منها - وإن كان على نحو أقل بكثير مما تتصور الغالبية - من القراءة. أما المحادثات والحوارات فهي أكثر المصادر ثراء للأفكار.

لذا، فإن أكثر الجوانب أهمية في عملي هو العثور على أناس مثيرين للاهتمام. وقد بات لدي أسرار حول كيفية إيجاد حوارات مثيرة عالية الجودة، والأماكن التي يمكنني إيجادها فيها، وقد يكون لدى القراء رغبة في معرفة بعض هذه الطرق.

هناك دائماً ما أسميه اختبار دبي.. ما عليك إلا أن تذكر اسم دبي بعد وقت وجيز من لقاء أحدهم. انظر بعد ذلك إلى رد الفعل، ومن ثم يمكنك أن تصنف هذا الشخص وتسبر أغواره. فما هي حكاية المدينة الواقعة في الخليج العربي؟

إن دبي تعد العنوان الأبرز لانتقال مركز الثقل والقوة بعيداً عن الغرب أكثر من أي مكان آخر في العالم، ويتبدى ذلك جلياً في التدفق الكبير للآسيويين الأكثر سخاء في الإنفاق أو الروس. وأياً كانت وجهة نظرك حول المدينة، فهي في كل الأحوال مدينة محفزة ومثيرة للاهتمام للغاية.

صحيح أن الكثير من المدن يتسم بالتنوع الكبير، لكن دبي «كوزموبوليتانية»، إلى درجة أن لندن وحدها من بين كل المدن الغربية يمكن فقط أن تكاد تقترب في ذلك من دبي. وتعمّ هذه الروح دبي بكل ما فيها.. في المدينة القديمة الواقعة قرب المطار، كما في مركز المدينة الفاخر. وإذا ما نظرت إلى المدينة، لوجدت الكثير من البريطانيين يحبون دبي أو «دوبز» كما يطلقون عليها.

هناك، بطبيعة الحال وسائل أخرى لتعرف ما إذا كان الشخص الذي ستدخل معه في حوار مثير للاهتمام أم لا، لكن ما دمنا لا نملك الساعات الطويلة لمعرفة ذلك، فنحن بحاجة لاستدلالات وقواعد أساسية لتبيّن الأصيل من غيره، وليس ثمة مثيل للاختبار عبر ذكر اسم دبي في هذا الصدد. وللعلم فإن أربعة من أصحاب الأحاديث والحوارات الأكثر تشويقاً والذين غالباً ما يلهمومنني بأفكار تستحق الكتابة عنها في هذا المقال، إما يعيشون في دبي أو عاشوا بها فترة ما.

ومن الأسرار الأخرى للحوارات المثيرة ضرورة تفادي حفلات العشاء، إذ ينهض المضيف مُشتت الانتباه من جديد ليتفقد الأطباق المقدمة، أما الضيوف، الذين لم يلتقِ الكثير منهم بعضهم بعضاً من قبل، فيتوقفون عن الحديث بين الفينة والأخرى؛ للأفراط في الثناء على الطهي.

وعلاوة على ذلك، فبما أننا في منزل أحدهم، فإن شدة التركيز على جانب ما في المحادثة قد يكون مثيراً للإحراج. والنتيجة دردشة متقطعة، وليس ثمّة فرصة لتطوير مناقشة ثرية. وعادة ما تكون اللغة المُستخدمة في العشاء استعراضاً عاماً لكلمات ضبابية مُعادة الإلقاء، مثل «هذه نهاية نهاية التاريخ»، والتي قد نصفها بأنها شبيهة بتلك المُستخدمة في حلقات البودكاست.

نصيحة أخرى، اخرجوا بنقاشاتكم عن الحيز الداخلي، فقد استشهد الفيلسوف يورغن هابرماس بالدور الذي لعبته المقاهي في ازدهار الفكر الغربي. وبحسب هابرماس، فقد سمح ذلك للحياة الثقافية بالخروج من الحيز الخاص المغلق إلى «المجال البرجوازي العام» المليء بالجدالات. كان هذا في المقاهي الموجودة في القرن السابع عشر أو مطاعم القراءة، فالأماكن المحايدة تجعل الأشخاص متساوين، وهو ما يطلق العنان للألسنة.

سر آخر: لا تبحث عن أصحاب المناصب العليا، فدائماً ما لا يكون الشخص الأعلى منصباً في مؤسسة ما هو الأكثر إثارة للاهتمام، لذلك نجد ذاك الخواء الذي تتسم به فلسفات الرؤساء التنفيذيين. وتتطلب إدارة الأشخاص والعمليات ذكاء متقداً بلا أي شك، لكنه لا يستلزم تبني مذهباً فكرياً، وقد يُقصد بذلك ذائقة ما للتفكير المجرد. لذلك، ابحث عن أشخاص دون هذا المنصب بدرجة أو اثنتين، ثم بعد ذلك الحالمين بدرجة كبيرة الذين لا يمكنهم في ظل هذه الطبيعة شغل منصب قيادي.

لكن إليك تحذير مهم في هذا الصدد: في حين يندر إيجاد ثنائية النقائب التنفيذية والفكرية في شخص واحد، بيد أن الأمر ليس مستبعداً تماماً. فقد أدار إسحق نيوتن بعض المؤسسات المهمة بعد تأسيسه للميكانيكا التقليدية، ما أعتقد بأنه يعزز ادعاءه بأنه كان الأكثر براعة على الإطلاق.

ويمكن الإشارة إلى أن استثناء هؤلاء الذين يطلقون عبارات شاملة كهذه طريقة مفيدة لانتقاء الأشخاص. سيستمتع المثيرون للاهتمام بطرح تساؤل عمن كان أكثر الأشخاص براعة على الإطلاق. لكن سيستغرق العقل المبتذل في التدقيق بطرح تساؤلات، مثل: «كيف لنا أن نصدر حكماً؟»، وما إلى ذلك.

كذلك من المهم أن نستمع إلى الملحوظات العابرة، وهنا نكون قد وصلنا إلى القاعدة التي تنبني عليها حياتي. إذ إن الأشخاص لا يدرون كثيراً متى يكونون مثيرين للاهتمام. سيمضي شخص ما في الحديث طيلة ساعة عن موضوعه الرئيس، ثم، يغمغم بشيء عابر بينما نقسّم الفاتورة، وهنا قد يأتيني بفكرة تصلح لمقال بالكامل.

وهكذا، يكمن الكنز في كثير من الأحيان في الاستطراد. وبالرغم من صحة أني لم أنجز عمل يوم واحد، مقارنة بمن ربوني، لكني محكوم بحياة من دوام الاستماع؛ والكثير من الإنصات خشية ضياع شذرة من وجهة نظر أحدهم أدراج الريح. إن كاتب المقال الدوري لا يأخذ إجازة «قط». ويُقال إن ديمومة التيقّظ هي ضريبة الحرية، وهذه تقريباً هي تكلفة وظيفتي «المثيرة».

 

Email
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق