سباق متسارع في الولايات المتحدة للخروج من العولمة عبر سياج عال

المغرب 24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
ft.svg

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمريكا باتت تضيق ذرعاً باحترام القواعد التي وضعتها في أعقاب أكثر الحروب تدميراً على مر التاريخ

تشهد أمريكا سباقاً محتدماً لمعرفة أي الحزبين يمكنه الخروج من العولمة بشكل أسرع من الآخر. فقد فرض الرئيس جو بايدن حزمة من التعريفات الجمركية على عدد من البضائع الصينية، بما في ذلك تعريفة بنسبة 100 % على المركبات الكهربائية الصينية.

أما دونالد ترامب فيرى أن هذه النسبة ليست كافية، وتعهد بفرض تعريفة نسبتها 200 % على السيارات الصينية، إلى جانب 10 % إضافية على كافة الواردات من كل الدول. كما يبدو أنه لا يزال هناك المزيد في جُعبة بايدن.

بهذا المعدل، سيكون الانفصال بين الولايات المتحدة والصين قاسماً مُشتركاً بين كلا الحزبين بحلول نوفمبر من العام الجاري. وسيكون الاختيار حينها بين بايدن الذي سيتمم إجراءات هذا الانفصال بشكل منظم، أو قيام ترامب بذلك لكن بشكل فوضوي.

بطبيعة الحال، هناك ما هو على المحك في الانتخابات الأمريكية، أكثر مما تبقى من قواعد التجارة العالمية. وإذا ساعدت حرب بايدن التجارية في الانتصار على ترامب في نوفمبر، فسينظر إليه بإيجابية مستقبلاً، كما أن الكلفة الاقتصادية والتأثيرات السلبية المحتملة لقرارات بايدن في مجال التجارة، مثل فرض ضرائب جديدة على الطبقة الوسطى وتأخير التحول إلى الطاقة الخضراء، سيتم تبريرها استناداً إلى الفوائد الكبيرة لإنقاذه الديمقراطية الأمريكية.

لكن السؤال المفتوح هو هل سيشكل قرار بايدن فارقاً في صناديق الاقتراع. فقد يفضّل بعض المصوتين اختيار ترامب. وفي 2019، انتقد بايدن الحرب التجارية التي شنّها ترامب على الصين؛ لإضرارها بالمزارعين الأمريكيين والمصنّعين.

وصرح بايدن حينها بأنه «من السهولة بمكان أن تكون صارماً، طالما أن شخصاً آخر ستطاله الآلام». لكن بعد مراجعة دامت أربعة أعوام، أعلن بايدن هذا الأسبوع الإبقاء على كافة التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين، بل وفرض تعريفات أعلى من التي فرضها.

وفي كلتا الحالتين، فإن الاتجاه الذي تسلكه الولايات المتحدة محفوف بالكثير من المخاطر والتبعات. وأياً كانت السرعة، يفضّل الجمهوريون والديمقراطيون على حد سواء الانعزال وتقليص أواصر الصلة العالمية. وتُعد حُجج بايدن حيال الاقتصاد والتغير المناخي فاشلة في حد ذاتها.

صحيح أن حمائية بايدن ستخلق في نهاية الأمر «آلاف الوظائف النقابية» وستدعمها، على حد قوله، لكنها ستفرض أيضاً المزيد من التكاليف على ملايين الوظائف القائمة التي تعتمد على إنتاج مدخلات الصلب والألومنيوم منخفضة التكلفة، ناهيك عن الكلفة العالية لرد الفعل الانتقامي المُحتمل من الصين، والذي سيستهدف الصادرات الأمريكية.

يعلم بايدن منذ 2019 أن المستهلكين هم من يتحملون تكاليف التعريفات الجمركية، لكنه يبدو أنه نسي ذلك. وتتمثل أهداف بايدن الرئيسية في الألواح الشمسية الصينية والبطاريات والمركبات الكهربائية، وهي بضائع تتطلب رؤوس أموال كثيفة.

وتوظيف العمالة في مجال التصنيع مستمر في الانخفاض على مستوى العالم، بما في ذلك في الصين نفسها. وتحقيق مكاسب رمزية تتمثل في بضع وظائف، يفرض بايدن ضريبة واسعة على الطبقة الوسطى ويقوّض بذلك التنافسية الأمريكية.

ثم هناك الضربة التي تلقتها سياسته المتعلقة بتغير المناخ. فقد انخفضت تكلفة كل أشكال الطاقة المتجددة بشكل كبير في العقد الماضي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الصين. وبعض المزايا التنافسية التي تتمتع بها الصين جاءت من خلال الدعم الحكومي. أما الباقي فقد جاء بسبب منافسة محلية شرسة وحجم سوقها المحلي. أما أمريكا فلم تستفد من تجربة الصين.

وسيكون تأثير قرارات بايدن هو رفع الأسعار المحلية الأمريكية للمركبات الكهربائية والألواح الشمسية وغيرها من المدخلات الخضراء وتأخير تحول الطاقة في أمريكا. وسيؤدي ذلك أيضًا إلى إخراج أمريكا من أسواق التصدير. وستواصل الصين بيع سياراتها الكهربائية الرخيصة ومستلزمات الطاقة المتجددة لبقية العالم.

إن بايدن لم يطرح قائمة خطوات يجب على الصين اتباعها وفق القواعد الأمريكية. ويعود ذلك إلى عدم وجود قواعد أساساً. فقد عطّلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة جهود منظمة التجارة العالمية التي كانت ستفصل في الدعم الصيني غير العادل لشركاتها. إلا أن بايدن نفسه يدعم الطاقة الأمريكية الخضراء من خلال قانون الحد من التضخم الذي وقّعه في 2022.

وبطبيعة الحال، ستستفيد البشرية جمعاء من سباق الحصول على الإعانات الخضراء. لكن لسوء الحظ، لا تنفّذ الولايات المتحدة سياستها الصناعية بشكل جيد مثلما تفعل الصين. فبعد عامين من إقرار قانون الحد من التضخم، لم تطلق الولايات المتحدة سوى 7 محطات جديدة لشحن المركبات الكهربائية تغطي إجمالي 38 نقطة للسائقين، وهو عدد غير كاف لتغطية واحدة فقط من ضواحي لوكسمبورغ الصغيرة.

ويُعد الأمن القومي هو الباعث الثاني على تبني السياسة الحمائية الأمريكية. وهذا يفسّر ما يسميه بايدن «ساحة صغيرة وسياج عال»، الذي يحظر تصدير أشباه الموصلات المتقدمة والمعدات إلى الصين التي يمكن استخدامها للأغراض العسكرية، وكذلك المدنية.

والسؤال المفتوح هو هل سيبطئ ذلك التوسع العسكري الصيني أم سيسرّع تحولها محلياً إلى أعلى منحنى القيمة المضافة. مع الاعتراف بأن نظرية بايدن تتسم بقدر من الحصافة، فمن غير المعقول أن تبيع تكنولوجيا عسكرية لعدو مُحتمل.

في المقابل، هناك تكاليف الأمن القومي غير المحسوبة الناجمة عن تفكيك العولمة. وقد واجه العالم للمرة الأخيرة صعود الشعبوية في ثلاثينيات القرن الماضي، وتمثل رد الفعل الأمريكي حينها في زيادة الطين بِلة. فقد رفع قانون سموت-هاولي في 1930 من حدة الحواجز الجمركية الأمريكية، وأسفر عن حمائية تسببت في إفقار الجيران في دول أخرى. ومن جديد، تتجه الغريزة الأمريكية نحو فك الارتباط: من ناحية، يحاول ترامب فك الارتباط على كافة الصُعُد بما في ذلك التحالفات العسكرية، أما بايدن فيفعل ذلك فقط على الصعيد الاقتصادي.

إن الولايات المتحدة باتت تضيق ذرعاً باحترام القواعد التي وضعتها في أعقاب أكثر الحروب تدميراً على مر التاريخ. ومن المحتمل أن الأسلحة النووية ستضمن عدم تكرار الحرب العالمية الثانية، لأنها سترقى في هذه الحالة إلى انتحار جماعي.

لكن التهديد الأكثر قوة اليوم هو الاحتباس الحراري. لقد قرر بايدن منذ أيام إبطاء التحوّل الأمريكي إلى الطاقة الخضراء ودفع الولايات المتحدة خطوة أقرب إلى منافسة صفرية مع الصين. تحت مبرر وحيد وهو أن ذلك قد يساعده في صناديق الاقتراع.

Email
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق