جلسة نقاشية تفكك "التهديدات الهجينة" وسبل تحقيق السلم في المنطقة العربية

هسبريس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

جمعت حلقة نقاش نظمها جناح منتدى أبوظبي للسلام، في اليوم السابع من الدورة الـ29 للمعرض الدولي للكتاب، أكاديميين مغربيين بارزين: الخبير عصام العروسي والباحث عباس الوردي، قصد مناقشة “التهديدات الهجينة ومستقبل السلم.. تحليل واستشراف”، بما أن هذه التهديدات أصبحت تفرضُ نفسها في السياق الحالي، خصوصاً في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، نتيجة “الهجمات السيبرانية” و”الحروب الباردة”.

وبعدما وضع خالد ميار الإدريسي، رئيس المركز المغربي للدراسات الدولية والمستقبلية، أرضية “الجلسة العلمية”، منح الكلمة لكل من المتدخلين لسبر أغوار هذا الموضوع الذي يشغل بال الخبراء، أمام تنامي “الإرهاب الإلكتروني”، ومطبات استثمار الرقمية في ضرب حقوق الدول والشعوب، ما صار يطرح تحديات مستمرة لم يغفل الوردي أو العروسي جوانبها المتشعبة.

“بنية خطيرة”

كان عباس الوردي، أستاذ جامعي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط، أول من تناول الكلمة، منطلقا في مداخلته من الفورة التي لحقت الجيل الجديد من الثورة الصناعية، التي “وضعتنا أمام مجموعة من المتغيرات التي أدت إلى طفرة تكنولوجية منقطعة النظير”، معتبراً أن “شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت تنشّط هذه الديناميّة التي تطرح جملة من الإشكالات التي أصبحت تعترض مجموعة من المبادئ المؤطرة للحياة الإنسانية، كالتشهير والابتزاز، إلخ”.

وأكد الوردي في مداخلته أن “التهديدات الهجينة التي ارتبطت بهذه الموجة تستدعي منا، كعرب ومسلمين، أن نعنى بالظاهرة، لكون المنطقة تشكل مزيجا من الدول التي خاض بعضها مسارا متطورا ومتقدما في البنية التكنولوجية، أفضى إلى تطوير الاقتصاد الذي انعكس على الرفاه الاجتماعي”، وسجل أن “الوحدة ضرورة” لمواجهة “السلبيات الجديدة”، لاسيما “تلك المرتبطة بالكذب والاختلاق والأساطير والترهات التي تؤثر على الحياة الفردية والجماعية، وتؤدي إلى خلق إشكالات قانونية”.

وللتّأصيل النظري لمداخلته قدم الأكاديمي ثلاث نظريات تؤطر هذه البنية المرتبطة بالتهديدات الهجينة: نظرية الحرب المفتوحة، ونظرية الجيل الرابع، ونظرية الحرب المركبة؛ مسجلا أنها “تقوم بتأطير هذه البنية التي نتحدث عنها على أساس تحولات جذرية أصبحت تعرفها المنظومة الدولية”.

وزاد المتدخل: “مجموعة من البنى الدولية، سواء من خلال الناتو أو من خلال دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، استشعرت خطورة التهديدات الهجينة، حتى إن مجموعة من الدول العربية كالإمارات العربية المتحدة والدولة المغربية وغيرها باتت تواجه هذه التحديات من المدخل القانوني، خصوصا الجنائي، وخلقت مراصد لمواكبتها على أساس التخفيف من أضرارها، لأن مواجهتها تعد صعبة”.

واعتبر الوردي أننا “أمام حرب غير مشروعة، تقوّض القانون الدولي”، مضيفا أن “الإصرار على فرملة المنظومة الدولية يعني اللجوء إلى الحرب”، وتابع: “أعتقد أن هذه البنية النشاز هي بنى توترية تم خلقها من أجل بناء مجموعة من الأدوات التي تؤطر جملة من التوجهات لخدمة مصالح بعينها؛ ولا يمكن أن نتصور أنها أتت من فراغ، بل هناك دراسات، وتوجهات وأفكار، وهناك بالضرورة أراض خصبة لاستقبالها”.

تقوية الأفكار

محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية، يرى أن “التهديدات الهجينة ترتبط أساساً على ما يبدو بنظرية مركزية، وهي نظرية التعقيد، التي ربما تجمع كل التناقضات الموجودة”، مضيفا أنها “ربما تحتمل أيضا كل التهديدات وتدخلها في مجال التوقع أو استشراف المستقبل، من خلال فهم التعقيد الذي أصبح يسيطر بشكل كبير على المنتظم الدولي”.

وأوضح العروسي في مداخلته أن “نظرية التعقيد ترى أن التهديدات الهجينة ليست جديدة على الإطلاق، بل كانت موجودة؛ غير أنه تتم إعادة إنتاجها بشكل أو بآخر”، وتابع شارحا: “عندما نتحدث عن تهديدات متصفة بالهجانة فنحن نفترض وجود أساليب تقليدية تستخدم، ما يتمّ باستثمار أدوات غير تقليدية وغير كلاسيكية أيضا”، معتبرا أننا “حينما نتحدث عن النزاعات المسلحة بالتحديد وعن الحروب نقول إن الحرب النظامية معروفة: مواجهات بأساليب مباشرة باستخدام كل الإمكانات العسكرية”.

وسجل المتحدث ذاته أن “بعض التمفصلات المتعلقة بالتهديد والحرب النفسية والسيكولوجية يمكن اعتبارها نسبيا مسموحا بها”، على اعتبار أنها، وفقه، “لا تؤلم، أو ربما تعدّ من الأساليب غير المكشوفة أو غير المعلن عنها في إطار هذا الصراع”، وأوضح: “بالتالي أصبحنا نعيش في زمن مكن من تغيير الوضع الدولي انطلاقا من أسس ومن أفكار تتجاوز إطلاق الرصاص أو استخدام الدبابة أو استخدام الطائرات، كذلك أيضا في المجال العسكري، وهذا أيضا جانب من التهديدات الهجينة”.

وبعدما ناقش القدرات العسكرية الجديدة التي صارت أبرز وجوهها “الطائرات المسيرة”، التي تتميز بالخفة والقوة وسهولة الامتلاك وسهولة التصنيع، واستثمرت في العديد من الحروب الرائجة حاليا: أوكرانيا وغزة، إلخ، خلص العروسي إلى “كون العالم يوجد اليوم أمام تهديدات مختلفة تماما”، ولفت إلى أن “دولا معينة صارت تقدم تسهيلات للحصول على هذه الطائرات لجماعات وميليشيات مسلحة وجماعات إرهابية، وهذا أيضا من الخطورة بمكان”.

وفي شق جد مفصلي في كلمته تساءل الخبير في القضايا الأمنية والإستراتيجية: “كيف يمكننا تشكيل بنية متناغمة لنواجه هذه التهديدات؟”، ثم تحدث عما أسماها “رسالة التنوير”، وأضاف: “مراكز الأبحاث والدراسات لها دور أساسي في هذا الباب، فهي لها هامش من الحركة قوي جدا لتفكيك الظواهر الطارئة، ودول استشعرت أهميتها التي نبعت من استقلالها المعنوي، وفطنت إلى قدرتها الاقتراحية التي يمكن أن تخلق فرقا لدى صانع القرار”.

وشدد العروسي على “هذا المدخل الفكري لمجابهة توهّج التهديدات الهجينة”، معتبرا دور هذه المراكز “أساسيا في تفكيك شفرة الصراعات وتحليلها للوصول إلى أسس السلام، خصوصا أن العديد منها في الدول العربية لم تعد مرتبطة بالجيوش، وأصبحت تنتج دراسات ناضجة تجاوزت مفهوم الإيديولوجيا، لكنها مازالت تواجه تحديات التمويل”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق