عمرو منير دهب يكتب: "أحب المرأة... لا أحب المرأة".. الفصل الخامس والعشرون من كتاب "جينات أنثويّة"

اعلام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
رغم أن المواقف المعادية للمرأة في الفلسفة قد بدأت منذ سقراط، فإنها على الأرجح بلغت ذراها مع الفيلسوفين الألمانيين آرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer وفريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche؛ وعربيّاً قيل إن أشهر كارهي النساء عباس العقاد تأثّر تحديداً بشوبنهاور على هذا الصعيد. إزاء هؤلاء الفلاسفة وغيرهم، لا تعدم حواء حجتها الدامغة في دحض أفكارهم المعادية جملةً وتفصيلاً باعتبار تلك الأفكار مجرّد استجابات انفعالية متطرّفة نتيجة فشل ذريع من قبل أولئك الكارهين في إقامة علاقات ناجحة مع النساء أو حتى جذب أنظارهن بأي قدر من الإعجاب.

بحسب ويكيبيديا الإنجليزية لا يكاد يسلم مجتمع أو معتقد أو مجال من تهمة كراهية النساء Misogyny: "كراهية النساء (Misogyny) هي كراهية أو ازدراء أو تحيز ضد النساء أو الفتيات. إنه شكل من أشكال التمييز الجنسي Sexism الذي يمكن أن يبقي المرأة في منزلة اجتماعية أدنى من الرجل، وبالتالي الحفاظ على الأدوار الاجتماعية للنظام الأبوي Patriarchy. مُورِستْ كراهية النساء على نطاق واسع منذ آلاف السنين؛ وقد انعكست في الفن والأدب والبنية المجتمعية البشرية والأحداث التاريخية والأساطير والفلسفة والدين في جميع أنحاء العالم".

تواصل ويكيبيديا الإنجليزية: "يمكن فهم كراهية النساء على أنها موقف يتّخذه الأفراد، وخاصة الرجال، وأيضاً كعادةٍ أو نظام ثقافي واسع الانتشار. في بعض الأحيان تظهر كراهية النساء بطرق واضحة وجريئة؛ وفي أحيان أخرى تتمظهر كراهية النساء على نحو أكثر مراوغة أو بصور مستترة تتيح إمكانية الإنكار (من قِبل المتبنّين للفكرة) الجدير ظاهرياً بالتصديق. في الفكر/المعتقد النسوي Feminist Thought، تتضمن كراهية النساء أيضاً رفض الصفات الأنثوية، ويتجلّى ذلك في ازدراء المؤسسات أو العمل أو الهوايات أو العادات المرتبطة بالمرأة، رافضة بذلك أي مظهر للرجال يُنظر إليه على أنه أنثوي أو غير رجولي".

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: حواء تمثّل ولا تمثّل.. الفصل الرابع والعشرون من كتاب "جينات أنثويّة"

ولكن الأكثر إثارة في جملة المشاعر (مشاعر الرجل تحديداً) تجاه المرأة ليست تلك الأحاسيس الصريحة المندرجة بوضوح تحت مصطلح كراهية النساء Misogyny، ولا حتى تلك المستترة المراوغة التي تُظهر إنكاراً للحالة برمّتها قابلاً لأن ينطلي على الآخرين؛ الأكثر إثارة في جملة مشاعر آدم المضطربة تجاه حواء هي تلك التي يبدو من خلالها الرجل بالغ الانفعال في إعلان ضيقه/كرهه للمرأة وهو لا يستطيع الفكاك من أسر الدوران في فلكها، وذلك بحيث تبدو تلك الحالة كما لو كانت استعذاباً للعذاب أكثر من كونها عجزاً عن التحرّر منه.

يزايد آدم على نفسه في تلك المفارقة حين يواصل التأرجح في إعلان مشاعره تجاه حواء بين النفور الشديد والانجذاب المحموم؛ وإن تكن تلك النزعة لا تتضمن بالضرورة في كل الأحوال موقفاً عنصرياً تجاه الجنس الآخر قدر ما هي استجابة طبيعية حتى وإن بدت متطرّفة في شقّيها، فكلُّ فعل يستدعي ردة الفعل المقابلة المساوية في طبيعتها وقوتها والمعاكسة في اتجاهها بطبيعة الحال نحو الطرف الآخر: حالة من الاتفاق والانسجام تولّد السكينة والانجذاب مقابل حالة من الضيق والاختلاف تولّد الانزعاج والنفور.

ولكن حتى كارهو النساء المندرجون صراحةً تحت المصطلح Misogynists يضمرون على الأرجح انجذاباً قوياً نحو النساء لا يجد أحوالاً مهيّأة تفضحه؛ وإذا كان القول بأن افتقاد بعضهم لعلاقات صحيّة وطيدة مع النساء ظل دافعاً قوياً لترسيخ تلك الكراهية، فإن التعنّت في التمسّك بالفكرة يغدو في كثير من الأحيان دافعاً تلقائياً عميقاً يصبح معه صاحب أي موقف كما لو كان في أسر يصنعه بنفسه لنفسه لا يمكنه الفكاك منه. كارهو النساء والحال كتلك تأخذهم العزة بالإثم فلا يستطيعون الإقرار في أية مرحلة بخطأ فكرتهم/عاطفتهم؛ ولن يعدم أولئك الكارهون المبرّرات للاستمساك بأفكارهم في ظلال طبيعة البشر الخطّائين على وجه العموم، واستناداً بصفة خاصة إلى نزعات حواء شديدة الانفعال.

الآن وقد أصبح ما دون كره النساء من المشاعر والأفكار (أيّ شكل من أشكال التحيز الجنسي) جريمة تستوجب النّبذ والعقاب في حال الإفصاح عنها بشكل صريح، فإن مشاعر آدم وأفكاره المناهضة لحواء لم يعد بإمكانها في أجرأ أحوالها أن تتجاوز ما يتيح امتياز الإنكار المراوغ الجدير بالتصديق ظاهرياً.

مفارقة/متناقضة "أحب المرأة... لا أحب المرأة" من قِبل آدم هي ذاتها مفارقة/متناقضة "أحب الرجل... لا أحب الرجل" من جانب حواء؛ إنها في النهاية تبدو كما لو كانت مفارقة/متناقضة وجودنا الذي تستحوذ علينا فيه مشاعرُنا المتأرجحة أبداً في أي سياق بداعي الملل الذي تسببه قلّة الحيلة؛ قلة الحيلة في الاستيعاب أو في الاستجابة المتّزنة والمُرضية تجاه القدْر الذي أفلحنا في استيعابه على أي صعيد.

للتواصل مع الكاتب عبر الإيميل التالي: ([email protected])

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق